شريط الأخبار

*** كتاب جديد في علوم التربية ""طرق التدريس في القرن الواحد والعشرين"" حمله الآن من صفحة "علوم التربية" ... لا تنتظر أكثر ... اقرأه فورا ***"

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2014

القانون الأول لنيوتن .. مرة ثانية

مبدأ العطالة ينطوي على مفهومي القوة والحركة، وفهم العلاقة بين القوة والحركة يشكل تحديا، ففي الحياة اليومية، لا وجود للتكافؤ بين السكون والحركة المستقيمة المنتظمة، والوضعيتان الأساسيتان هما «السكون» أو «الحركة»، أما بالنسبة للفيزيائي فإن الوضعيتان الأساسيتان هما «السكون والحركة المستقيمة المنتظمة» من جهة و «الحركة بسرعة متغيرة» من جهة ثانية.




الكثير من التلاميذ في المرحلة الثانوية لا يعرفون كيفية تطبيق القانون الأول لنيوتن أو «مبدأ العطالة»، وقد نجد المشكلة ذاتها مع فئة كبيرة من الطلاب في الجامعة، مع أن جميعهم يعرف ويحفظ نص هذا المبدأ، فالمشكلة إذن متعلقة بفهم وتطبيق هذا المبدأ. بالنسبة للطلاب، يقتصر مبدأ العطالة على العبارة: «الجسم الخاضع لجملة قوى متوازنة يكون ساكنا»

أما الجزء الثاني من نص مبدأ العطالة، فإنه يبقى غير مفهوم وغير مستغل من قبل الطلاب. أي أن لدى الطلاب تصورًا قاصرًا جدا لمبدأ العطالة، مما يجعلنا نعطي أهمية خاصة لتدريس هذا الجزء من الميكانيك، ويحق لنا أن نتساءل «كيف يجب تدريس هذا المبدأ في السنة الأولى ثانوي ؟ ولماذا يشكل صعوبة لدى الطلاب ؟»

1. تصورات التلاميذ 

تصورات التلاميذ عن العلاقة بين القوة والحركة هي أكبر عقبة أمام فهم وتطبيق مبدأ العطالة، وتستند هذه التصورات على فكرتين رئيسيتين:

  • الحركة والسكون مفهومان مختلفان جذريا. 
  • لا يمكن تصور وجود حركة بدون وجود قوة مؤثرة. 

وهذه الأفكار مماثلة بشكل لافت للنظر لأفكار أرسطو ونظرية الزخم.

2. نظرية الزخم L’Impetus (قوة الدفع)


1.2. نظرة عامة 


تعود جذور هذه النظرية إلى القرن السادس، على يد Jean Philopon يوحنا فيلوبونوس (1)  الذي اهتم بالتعليق على كتابات أرسطو وتصحيح النموذج الأرسطي للحركة، حيث يلخص الفيلسوف الفرنسي Jean Buridan، من القرن الرابع عشر نظرية الزخم بما يلي: «عندما يقوم شخص بدفع جسم من أجل تحريكه، فإنه يمنح ذلك الجسم بعض الزخم، بمعنى بعضا من القوة التي تمكِّن الجسم من الحركة في الاتجاه الذي دفعه فيه ذلك الشخص ... بفضل هذا الزخم يستطيع الحجر أن يواصل حركته بعد أن يقذفه شخص ما، حتى بعد انفصاله عن ذلك الشخص».

نظرية الزخم وفيزياء أرسطو تشتركان في فكرة أن «الحركة يجب أن يكون لها مسبب، والتأثير المتواصل للقوة ضروري ولازم كي يحافظ الجسم على حركته». بالنسبة لأرسطو القوة المسؤولة عن الحركة تكون مستقلة وخارجة عن الجسم المتحرك، في حين أن نظرية الزخم تنص على أن حركة الجسم ناتجة عن قوة داخلية مكتسبة في مرحلة انطلاق الجسم من السكون إلى وضع الحركة. سميت هذه القوة الداخلية الزخم، لشرح حقيقة أن معظم الأجسام المتحركة سوف تتوقف في نهاية المطاف ويصبح زخمها معدوما ...

(1). جون فيلوبونوس (490 تقريبًا - 570 تقريبًا) والمعروف أيضًا باسم يوحنا النحوي أو يوحنا السكندري، فيلسوف مسيحي اهتم بالتعليق على كتابات أرسطو وألف عددا كبيرا من الأطروحات الفلسفية واللاهوتية. كان فيلوبونوس مثيرًا للجدل في بعض الأحيان، بخروجه عن الفكر الأرسطي-الأفلاطوني التقليدي، وطرح أسئلة منهجية تؤدي في النهاية إلى المنهج التجريبي في العلوم الطبيعية. أدين بعد وفاته بالهرطقة من قبل الكنيسة الأرثوذكسية في عام 680/681 بسبب تفسيره المثير للجدل حول الثالوث. طبعت مؤلفاته على نطاق واسع في ترجمات لاتينية في أوروبا منذ القرن الخامس عشر. وكان تعليقه على كتاب الفيزياء لأرسطو ذا أثر كبير على بيكو ديلا ميراندولا وغاليليو غاليلي، اللذان استشهدا بأعماله.

2.2. حركة القذائف


نظرية الزخم، حركة القذائف

شكلت نظرية الزخم عاملا رئيسيا في تفسير حركة القذائف في العصور الوسطى، حيث استخدمت لشرح مسار قذيفة مدفعية كما يلي، في المرحلة الأولى قوة الدفع (الزخم) التي يقدمها المدفع تفوق الوزن الطبيعي للقذيفة، فترتفع وفق مسار مستقيم، وخلال المرحلة الثانية يخفق الزخم تدريجيا عن الوزن مما يؤدي إلى انحناء مسار القذيفة إلى الأسفل، وفي المرحلة الثالثة، يُستنفد الزخم الناتج عن المدفع فتسقط القذيفة شاقوليا.

إن فلاسفة العصور الوسطى لم يقتصروا فقط على تفسير الحركات المستقيمة وفقا لنظرية الزخم، فالجسم الذي يتحرك حركة دائرية يكسب «زخما دائريا» يعمل على استمرار الحركة الدائرية، يقول ليوناردو دا فينشي: «كل جسم بقذف بقوة في الهواء يواصل حركته التي شرع فيها، فإذا حرر الجسم في حركة دائرية، فإنه سوف يسلك مسارا منحنا».


3.2. استحالة الجمع بين نظرية الزخم وميكانيك نيوتن: 


نظرية الزخم تتعارض بشكل أساسي مع الميكانيك النيوتونية، القانون الأول لنيوتن ينص على أنه ليست هناك حاجة لقوة للإبقاء على الجسم في وضع السكون كما لسنا في حاجة إليها أيضا من أجل الإبقاء على الجسم في حالة حركة مستقيمة بسرعة ثابتة،  في الميكانيك النيوتونية، حالة السكون وحالة الحركة المستقيمة المنتظمة  متعادلتان.

في حين تفترض نظرية الزخم أن القذيفة تسقط أو أن الجسم المتحرك يتوقف في نهاية المطاف بسبب تضائل الزخم. ووفقا لنيوتن، تتوقف الأجسام أو تسقط بسبب وجود قوى خارجية تعمل على تغيير السرعة أو اتجاه الحركة. وتتباطأ الكرة التي تتدحرج على مستوي أفقي بسبب قوى الاحتكاك التي تعمل في اتجاه معاكس لجهة الحركة. الجسم المقذوف أفقيا يتسارع نحو الأرض بسبب تأثير قوة هي قوة الجاذبية، حيث أن الجسم في حركة سقوط منذ انطلاقه.

أخيرا، الميكانيك النيوتونية ونظرية الزخم تختلفان في تحليلهما للحركة الدائرية، ففي نظرية الزخم، لا تعتبر الحركة الدائرية مختلفة جوهريا عن الحركة المستقيمة، وللحصول على أي من هذه الحركات، ببساطة يتم تزويد الجسم بالزخم المناسب.

الميكانيك النيوتونية تضع تمييزا واضحا بين الحركة المستقيمة والحركة الدائرية، يتحرك الجسم وفق حركة مستقيمة منتظمة عندما لا يخضع الجسم لأي قوة، ولكي يتمكن الجسم من الحركة في مسار دائري، يجب أن يخضع لقوة خارجية بشكل مستمر تعمل على حرف الجسم عن مساره المستقيم. الكرة المشدودة بخيط والتي تدور وفق مسار دائري مشدودة طوال الوقت بقوة توتر الخيط الذي يمنعها من الإنفلات بسرعة ثابتة وفق مسار مستقيم مماسي لمسارها الدائري.

3. التلاميذ ونظرية الزخم


كل جانب من جوانب نظرية الزخم التي أوردناها سلفا لها صداها في معتقدات وتصورات التلاميذ، وتصور «الزخم» موجود لدى الطلاب، حيث أجريت سلسلة من الدراسات على طلاب الجامعة وتلاميذ الثانويات، والذين طلب منهم في مشاهدة حركة كرة مشدودة بنهاية خيط ويقوم شخص ما بتدويرها فوق رأسه، بعدها وزعت عليهم وثيقة تتضمن رسما للمسار الدائري للكرة وطلب منهم رسم مسار الكرة بعد انقطاع الخيط.

  • 51 ٪ من الطلبة رسم المسار الصحيح للكرة بعد انقطاع الخيط.
  • 30 ٪ منهم اعتقدوا بأن الحركة الدائرية ستستمر لفترة من الزمن، وبعدها يصبح شكل المسار منحنيا.
  • 19 ٪ المتبقية أعطت إجابات أخرى غير صحيحة.

الـ 30 ٪ من الطلاب، الذين اعتقدوا بديهة أن الكرة ستظل لبعض الوقت في مسار منحني بعد انقطاع الخيط ناتجة عن تصور أن للكرة زخما دائريا والذي يتضاءل تدريجيا مما يسبب تشوه المسار الدائري للكرة.

سئل الطلاب الذين شملتهم الدراسة، لماذا تصعد القذيفة إلى ارتفاع معين قبل أن تسقط؟ فأوضح أحدهم «أن القذيفة ترتفع صعودا إلى الأعلى بسبب القوة المتولدة عن المدفع، لتتضاءل تدريجيا مما يسبب تباطؤ القذيفة. في ذروة مسار القذيفة تكون قوة الدفع وقوة الجاذبية متعادلتان تقريبا، وهي نقطة تحول تصبح بعدها قوة الجاذبية أكبر من قوة الدفع. في المرحلة التي ترسم فيها القذيفة مسارا مقوسا وتشرع في النزول إلى أسفل تتغلب الجاذبية شيئا فشيئا على قوة المدفع» وأعطى الطلاب شرحا مماثلا بالنسبة لقطعة نقود تقذف شاقوليا نحو الأعلى.

هذا التشابه الكبير بين آراء الفلاسفة في العصور الوسطى وتلك الموجودة عند الطلاب تشير إلى أن نظرية الزخم هي نتيجة طبيعية للتجارب اليومية، حيث يمكننا أن نرى كيف أن تلك التجارب  تجعل الطلبة يعتقدون أن الجسم يمكنه أن يحافظ على حالته الحركية بسبب قوة داخلية يمكنها أن تتبدد تدريجيا، وفي معظم الحالات، الجسم المتحرك لا بد من أن يتوقف في نهاية الأمر.

أنشطة التقويم


من أجل الوقوف على حقيقة ما أشرنا إليه أعلاه، لاسيما الصعوبات التي يعاني منها الطلبة في فهم وتطبيق المبدأ الأول لنيوتن، نقترح عليكم هذه المجموعة المختارة من الأنشطة التقويمية.


خاتمة


على الرغم من أن مبدأ العطالة ليس جزءا سهلا من المنهاج، فإنه يجب علينا البحث عن طرق لعرض هذا المبدأ على التلاميذ تجعله في متناولهم وتسهل عليهم استيعابه وتطبيقه بشكل سليم في وضعيات مختلفة، ومما من شأنه أن يزيد من فعالية تدريس هذا الموضوع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات التالية:

  • التحكم في مفهوم القوة وتأثيراتها المختلفة على الأجسام الصلبة الساكنة أو المتحركة.
  • الانطلاق من الحياة اليومية لصياغة الوضعيات التعلمية لإثارة فضول الطلاب، حيث يمكننا الاستعانة بالوسائل السمعية البصرية إذا لزم الأمر، ويجب دوما الانطلاق من وضعيات حقيقية، ثم نمذجتها بما يتوفر لدى الأستاذ من معدات ووسائل مخبرية.
  • فسح المجال للطلبة من أجل المناقشة وصياغة الفرضيات، حيث أن هذا النقاش يسمح ببروز تصورات التلاميذ حول القوة والحركة والعلاقة بينهما، ويجب الانطلاق من تلك التصورات لبناء الفهم السليم لمبدأ العطالة.

اقرأ أيضا: الحركة، القوة والمرجع



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكرا لكم على تفضلكم بالتعليق، سيتم مراجعة هذا التعليق قبل نشره خلال الـ 24 ساعة القادمة.