كثرت الدِّراسات الحديثة المتعلِّقة بالمجال التربوي، وظهرتْ مدارسُ فلسفيَّة عِدَّة، واتِّجاهات نفسيَّة عديدة، انبثَقَتْ عنها نظريَّات بيداغوجية مختلفة، تتجاذَبها أطراف العمليَّة التعليميَّة الثلاثة: المعلم - المتعلِّم - المادة المعرفيَّة، والمصطلح عليها بالمثلث البيداغوجي، وبرزت إلى السطح مصطلحاتٌ جديدة مثل البيداغوجية الفارقية، التغذية الراجعة، التعليمية، الكفاءات ...
- ما هي أهم أدوار الأستاذ في بيداغوجيا الكفاءات ؟
- ما هي طرق التدريس في إطار بيداغوجيا الكفاءات ؟
مقدمة
قبل الحديث عن أهم هذه الأدوار التي قد يلعبها الأستاذ في تسيير الحصص التعليمية و مختلف الأنشطة في إطار المهام الموكولة إليه،تجدر الإشارة إلى العلاقة الجدلية الموجودة بين تلك الأدوار من جانب، وأساليب وتقنيات التنشيط من جانب آخر، والتي تستهدف في نهاية المطاف إكساب المتعلمين قدرات معينة، أو تطويرها، أو تصحيحها مما يخدم تحقيق الكفاءة أو الكفاءات المسطرة في نهاية حصة دراسية أو وحدة تعليمية.ذلك أن الأبحاث التجريبية الحديثة قد أتاحت لعلماء النفس خلال العقود الأخيرة، تحديد ثلاث أساليب رئيسية للتنشيط من حيث خصائص كل منها، ونتائجها العامة على مردودية وسلوك وإنتاج أفواج التلاميذ، ولكل أسلوب منها آثار شديدة الاختلاف على القسم، وهي على العموم لا تخرج عن الأساليب الثلاث التالية :
1 . أسلوب توجيهي
في هذا الأسلوب يؤكد الأستاذ دوره باعتباره قائدا، فهو الذي يضع التعليمات، ويفرض الانضباط والنظام، ويُسير الجماعة بحسب خطة وضعها مسبقا لم يُطلع عليها أحدا ... هو الذي يحدد المهام ويوزعها، ويراقب الإنجازات ويقومها، ويتخذ الإجراءات المناسبة.
2 . أسلوب ديموقراطي
وهو الأسلوب المناسب لبيداغوجيا الكفاءات، حيث يندمج الأستاذ في الجماعة، فتوجيهاته وتعليماته تأتي في شكل اقتراحات تكون موضوع مداولة بين أفراد الجماعة، حيث لا يحدد الأستاذ سوى الأهداف المراد تحقيقها، ويشرف بأسلوب ديموقراطي في تنفيذها.
3 . أسلوب فوضوي
حيث يكتفي الأستاذ بتقديم العمل ويترك المشاركين أحرارا في ما يودون فعله، يجيب عن الأسئلة بعبارات غامضة، ويتخلف تلقائيا عن الجماعة، مما يجعل أغلب الجماعة تتخلى هي أيضا عن أداء المهمة نتيجة تخلف المنشط عنها.
على الأستاذ أن يضطلع بأدوار جديدة تساير روح الديمقراطية التي باتت تطبع جميع مجالات الحياة بما في ذلك عالم المدرسة. قد يستصعب البعض هذه الأدوار، ويراهن على استحالة تنفيذها على أرض الواقع، لكن واقع الحال والممارسة،يؤكد أن فئة عريضة من الأساتذة باتت تؤدي هذه المهام بشكل يومي. لعل منشأ الصعوبة مرده بالأساس إلى الدعوة الجديدة للانتقال من نمط تعليم مورس لسنين طويلة والتحول إلى تعلم جديد يكون فيه المتعلم هو مركز العملية عبر مساعدته للوصول إلى المعرفة ذاتيا، أو بعبارة أخرى مساعدته على بناء كفاءات متعددة المجالات تمكنه من اكتساب المعرفة.
ما هي أهم أدوار الأستاذ في بيداغوجيا الكفاءات ؟
هيا بنا نلقي بعض الضوء على نماذج من تلك الأدوار الجديدة المطلوبة من الأستاذ في ظل بيداغوجيا الكفاءات:
1 . الأستاذ مهندسا .. لعملية التعلم .. من التعليم إلى التعلم
إذا كان الأستاذ فيما قبل يقوم بتصميم درسه بالتركيز على خطواته ومراحله الأساسية ومحتوياتها، وبمعنى آخر، كان تركيزه منصبا
على تخطيط التعليم، فقد أصبح اليوم إضافة إلى ذلك مطالبا بأن يضع تصميما شاملا لمسارت التعلم أيضا، بأن يعمل على تصور وابتكار وضعيات محفزة ومثيرة في حدود الطاقة الاستيعابية والتمثلية للفئة المخاطبة، واقتراح آليات التبسيط والتوجيه، وإعادة تنظيم فضاء التعلم. كما ينبغي أن يكون لديه تصور ا حتماليا لكيفية تدبير وضعية الفشل إن وقع .. فهو مصمم ومنفذ ومقوم في الآن ذاته، كل ذلك انطلاقا من المقرر الدراسي وتأسيسا عليه.
2 . الأستاذ منشطا .. لعملية التعلم
التنشيط من أهم أدوار الأستاذ في ظل بيداغوجيا الكفاءات، والقصود به الطرق، الأساليب، الوسائل والوسائط التي من شأنها تنشيط التعلم، والمضي به إلى أبعد الحدود الممكنة، عن طريق انتهاج أساليب تحفيز واستدراج للمتعلمين من أجل المشاركة في التعلم وأنشطته .. الأستاذ هو الموجه لدفة التعلمات المطلوبة .. التنشيط التربوي هو توجيه لمسارات التعلم من أجل تحقيق الكفاءات المطلوبة. لا يحدث التحفيز والدافعية للتعلم بمجرد طرح إشكالية أمام التلاميذ بداية الحصة، وانتظار استجابتهم، وإنما على الأستاذ أن يدرك بأن التحفيز يتطلب خلق شروط تجعل التلاميذ يطرحون بأنفسهم الأسئلة، ومن ثم، تتحول المشكلة والبحث عن حلها إلى مسألة شخصية للتلاميذ، وليست مجرد استجابة لطلب الأستاذ.
3 . الأستاذ مسهلا .. لعملية التعلم
استكشاف قدرات تلاميذه، الفطرية منها والمكتسبة، من بين أهم أدوار الأستاذ في ظل بيداغوجيا الكفاءات، مع هذه القدرات وتطويرها نحو الأحسن، مما يساعد المتعلم على استخدامها وتسخيرها لتحقيق الكفاءة المستهدفة واللجوء إليها في أية لحظة من لحظات حياته الدراسية أو العامة . في ظل هذه البيداغوجيا، الأستاذ ملزم بتمكين المتعلم من أدوات عمل، ومنهجيات، وأساليب، وطرق، واستراتيجيات، وكل ما من شأنه أن يساعده على حسن القيام بدوره في عملية التعلم على الوجه الأكمل، وتدريبه عليها حتى تندمج ضمن خبراته العملية.
4 . الأستاذ موجها .. لعملية التعلم
عملية توجيه تعلم التلاميذ، من أخطر وأهم الأدوار في هذه البيداغوجيا، فالأستاذ هو الموجه لدفة تعلمات تلاميذه، مسؤول على تحقيقها وترسيخها لديهم.
5 . الأستاذ مقوما .. .. لعملية التعلم
الأستاذ مقوم لكل مفردات المنهاج، تشخيصيا، ومرحليا، وإجماليا. وهو في ذلك يقيم تعلمات تلاميذه، ويقيم الكفاءات ومدى تحققها، ويرصد الصعوبات والعوائق التي قد تحول دون تحققها، كما يقيم المحتويات الدراسية، فهو باحث بهذا الاعتبار، فضلا عن كونه مجرب.
ما هي طرق التدريس في إطار بيداغوجيا الكفاءات ؟
من أساليب وتقنيات التنشيط في بيداغوجيا الكفاءات، طريقة التدريس، ولا يقصد بالطريقة الخطوات المنهجية الممكن اعتمادها لتقديم الدرس كما هو معلوم فحسب، وإنما يقصد بها أيضا، أسلوب العمل، والكيفية التي يمكن بها تنظيم واقتراح مختلف الوضعيات التعليمية، من أجل تحقيق الكفاءة أو الكفاءات المطلوبة، مما يتطلب من الأستاذ الكثير من الإبداع والابتكار والاجتهاد،ليس فقط لكسر الجمود والروتين الذي قد يتولد مع الأيام، بل لأن هذا الأسلوب هو الذي يحقق الهدف أكثر من غيره.
من البديهي أن يكون الأستاذ على إلمام بطرق التدريس الفعالة، فضلا عن معرفته بالكفاءات المحددة ضمن المنهاج الدراسي، والتي ينبغي توجيه الجهود لتحقيقها لدى المتعلم، أو تلك التي ينبغي تصحيحها، أو التي هي في حاجة إلى تطوير، مادام الغرض من التعليم لا يقتصر على نقل المعرفة، بل يتعداه إلى تنمية المهارات الفكرية، والوجدانية، والحركية، وهو ما يعني مساعدة المتعلمين على تحصيل كفاءات تكون في خدمتهم طوال حياتهم.
اختيار الطريقة المناسبة لأسلوب للتنشيط من الأهمية بمكان في ظل بيداغوجيا الكفاءات، وذلك على مستوى المنهجية، والوسائل والأدوات المعينة، ومراعاة زمن ووتيرة تعلم الفئة المستهدفة، وطبيعة فضاء التعلم، وكذا استحضار هامش الخطأ الممكن، والتصور المسبق لسبل التعامل معه، ومواقع وخطوات التقويم ضمن سيرورة الدرس، إلى غير ذلك مما لابد من أخذه بعين الاعتبار عند اختيار طريقة في التدريس .
ومن السذاجة الاعتقاد بالاستقلالية التامة لكل طريقة عن غيرها من الطرق الفعالة، أو التمسك بحرفيتها ومراحلها المقترحة، فقد يتوقف تحليل مضمون ما، أو تطوير مهارة، أو تقديم استراتيجية معرفية معينة، أو غير ذلك، على الاستعانة بأكثر من طريقة واحدة حتى تصبح خبرة من خبرات المتعلم الدائمة، ترافقه طيلة حياته، أخذا بيده إلى الفاعلة في بناء مجتمعه، والمساهمة في تنميته.
في بيداغوجيا الكفاءات، لا تستبعد أية طريقة من الطرق الفعالة، فكل طريقة تضمن الوصول إلى تحقيق بناء، أو تصحيح، أو تطوير الكفاءات المستهدفة بكل أنواعها لدى المتعلمين، يمكن اعتمادها بشكل كلي أو جزئي، على أن نجاح الطريقة لا يكون مضمونا إلا بشرطين اثنين :
- معرفة الأستاذ بأهم أساليب حصول التعلم لدى متعلميه .
- معرفته بأهم الفروق الموجودة بينهم فطرة واكتسابا .
نماذج المتعلمين، واستراتيجية الذكاءات المتعددة
يختلف المتعلمون كأفراد على مستوى القدرات والميول والاستعدادات، وفي طرق واستراتيجيات اكتساب المعرفة واستيعابها، حيث تغلب عليهم سمة من السمات التالية، تجعل تعلمهم أكثر يسرا وسلاسة، أو العكس؛ على أنه لابد هنا من التمييز بين هذه السمات كمميزات عامة في اكتساب المعارف والخبرات،وبين الأساليب العامة لتعلم الأشخاص كاستراتيجية مؤسسة على طبيعة التكوين النفسي، وظروف الوسط الاجتماعي والبيئي وما إلى ذلك، مما يتميز به بعضهم عن بعض، لظروف وأسباب موضوعية عدة .
ومن النماذج التي أشارت إليها العديد من الدراسات، هناك ثلاثة طرق أو بالأحرى سمات مميزة لكل متعلم أو مجموعة من المتعلمين هي كالتالي :
1 / المتعلمون البصريون
وهم أولئك الذين يعتمدون بالدرجة الأولى في تعلمهم على حاسة البصر، وما يشاهدونه عيانا، كالمكتوب، والمصور، والخرائط، والمبيانات وغيرها، ويأتي المسموع والملموس في المراتب الموالية، وهذا النموذج هو السائد ويشمل نسبة كبيرة من المتعلمين.
2 / المتعلمون السمعيون
وهم الذين يكون اعتمادهم على حاسة السمع بشكل كبير في اكتساب جل المعارف المقدمة لهم، ويأتي البصر واللمس والحركة في مرتبة موالية، وتشكل هذه الفئة نسبة أقل من سابقتها من المتعلمين.
3 . المتعلمون اللمسيون
ويعتمدون في اكتساب معارفهم وخبراتهم على اللمس، أو التذوق،أي التعلم عن طريق وضع اليد في العجين كما يقال، وهم يشكلون بطبيعة الحال قلة من بين المتعلمين عموما.
طرق التدريس الفعالة
لازال علماء التربية إلى اليوم ينفقون الكثير من الجهد والمال في محاولة لتنميط الأساليب التي تتحقق وتتم على أساسها عملية التعلم لدى الإنسان، لطبيعته الفسيولوجية المعقدة، وتعدد مكونات شخصيته، وبالتالي تعدد الأساليب والاستراتيجيات التي يعتمدها لتحقيق ذلك. من بين أهم الطرق المشهورة في بيداغوجيا الكفاءات، يمكن على سبيل المثال لا الحصر،الإشارة إلى الطرق والأساليب التالية:
1 . طريقة الوضعية مشكلة
وهي أشهر الطرق المعمول بها في هذا المجال في العديد من المواد الدراسية،وتقوم على أساس وضع المتعلم أمام مشكلة، أو إشكالية في ظل وضعية تعليمية معينة، ودفعه عن طريق المساعدة غير المباشرة والتوجيه، لتحليلها إلى عناصرها الأساسية، واستخدام معارفه ومهاراته المختلفة، والأدوات والوسائل المتاحة من أجل إيجاد حل لها. فالوضعية مشكلة ليست بالضرورة وضعية تعلم، فقد تقترح وضعيات مسألة للتقويم، كما يمكن اقتراحها للدعم والتثبيت أيضا. فكلما كانت المهام المحددة للوضعية المسألة محفزة ومشوقة للتلميذ، كلما كانت ذات دلالة وجدوى تعليمية بالنسبة له.
2 . طريقة الوضعية الادماجية
إن الكفاءات عبارة عن نظام من المعارف والمهارات العملية التي يمكن التخطيط لها ضمن عمليات إجرائية، تنتهي بتأهيل المتعلم لتحسين مستويات تكيفه مع محيطه الذي يعيش فيه، ويتفاعل معه باستمرار، وذلك عن طريق تمكينه من الأدوات والآليات التي تسمح وتساعده على التعرف على مختلف المشكلات التي يفرزها محيطه، وبالتالي تمكينه من استجماع وتسخير مختلف تلك المعارف والمهارات الذهنية والعملية المكتسبة سابقا من أجل إيجاد حل أو حلول لمختلف تلك الإشكالات ومثيلاتها، شريطة تدربه بشكل مسبق على معالجة صنف أو أصناف منها في وضعيات تعليمية سابقة، وبالتالي فإنه يصبح قادرا على حل مختلف المشاكل التي سوف يواجهها في الحياة العامة.
لذلك كانت طريقة الوضعية الادماجية من الطرق الفاعلة في إكساب واكتساب الكفاءات، ولا يمكن بحال فصلها عن التدريب على حل مشكلات أو صنف من المشكلات في وضعيات تعليمية بشكل مسبق، كما لا يمكن بحال استبعاد الفروق الفردية، من حيث نوعية المكتسبات السابقة، والاختلاف في الاستعدادات بين الأفراد.
3 . الزوبعة الذهنية أو العصف الذهني
وهو شكل من أشكال النقاش الذي ينصب حول موضوع معين، ويستهدف إنتاج أكبر عدد من الأفكار ذات الارتباط بالموضوع المطروح، بدون كبح للآراء كيفما كانت طبيعتها، بما يشجع على التعبير عن الأفكار دون خوف أو خجل، ويمكن من استلهام أفكار الآخرين من أجل إثرائها.
وفي هذه الطريقة ليس هناك شيء ممنوع، يمكن أن نقول أي شيء، ونتجرأ على أي شيء، لأنه ليس هناك انتقاد أو حكم على ما يقوله أحد الأفراد، فكلما كانت الأفكار المصاغة كثيرة، كلما كانت هناك حظوظ لكي تظهر الأفكار المناسبة. يمكن أن تستعمل هذه التقنية في وضعيات تعليمية تعلميه مختلفة، كما لا ينبغي في الوقت نفسه أن تستغرق المناقشة وصياغة الأفكار كامل الحصة، بل لابد من تخصيص فترات للقيام بأنشطة أخرى من أنشطة الدرس، وتتوقف نجاعة هذه التقنية على جودة الإعداد، وجودة اختيار الموضوع، وأسلوب عرضه. في هذه الطريقة ينحصر دور الأستاذ كمنشط في الحرص على تحقيق مجموعة من الشروط:
حسن تسيير زمن الإنجاز، وحسن سير النقاش، وخلق جو من الثقة حتى يشعر الجميع بالارتياح للمشاركة في النقاش، الحياد، والمساعدة في الصياغة الواضحة للأفكار المنبثقة عن النقاش، والتدخل المناسب لتجنب احتكار الكلمة، والمساعدة في دحض الأفكار المتطرفة المتصلبة وبيان عدم صوابها ومجافاتها للمنطق.
بطبيعة الحال فإن هناك أساليب وطرقا عديدة، يمكن توظيفها وتجريبها في تناول مختلف المواضيع التي تعالجها وحدات المناهج الدراسية.
السلام عليك ايها الاخ الكريم اخوك الاستاذ خيرات يشكرك على الملومات القيمة ويتمنى لك التوفيق والفلاح من عند الرحمان سبحانه وتعالى والسلام عليكم
ردحذفشكرا لك سيدي الفاضل.
ردحذفموضوع رائع و منتدى اروع شكرااااا
ردحذف